روائع مختارة | قطوف إيمانية | الرقائق (قوت القلوب) | لن أتخلى عنكَ...أبداً

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > الرقائق (قوت القلوب) > لن أتخلى عنكَ...أبداً


  لن أتخلى عنكَ...أبداً
     عدد مرات المشاهدة: 2268        عدد مرات الإرسال: 0

لم يعد هناك ما تتمسك به لتبقى ضمن دائرة أسرتها التي شمخت عالياً بأفرادها، لا حياتها الكئيبة.. ولا أطفالها المذعورين.. ولا حتى أحلامها التي تلونت بالسوداوية ورماد الحزن، وإذا كان زوجها قد إنزلق إلى متاهات الفتن.. وإعتمرته وساوس إبليس، فيجب أن تنجو بنفسها وأولادها قبل أن يجرفهم معه إلى هاوية الهلاك..

قبل أسابيع جاءها قرابة الفجر يتمايل طرباً بينما روائح خبيثة تفوح من ثغره الذي يتهوس بالهذيان، وعندما واجهته بصنيعه البشع راح يكيل عليها بالضرب والشتائم.. متوعداً إياها بحياة بائسة..

ومنذ أيام فقط، وقف أمامها يطالبها بالمستحيل.. قال بقسوة:

ـ عليك أن تخلعي عنك حجابك.. وإلاّ مزقته ومزقتك معه..

صرخت حينها بشدة ترفض الإستسلام له:

ـ هل تريدني أن أخلع حجابي؟.. أتريدني أن أظهر عارية أمام الناس، لا.. لن أفعل حتى وإن قتلتني..!

قال بإصرار يمارس عليها ضغوطه:

ـ بل ستفعلين، فأنا الآن رجل عصري متحضر، وحجابك هذا ليس إلا رمزا للبدائية والتخلف.. وسوف يسيء لي في علاقاتي الإجتماعية..

لقد فاض الكيل بها، ولم يعد للصبر من داع في هذه الأجواء الملوثة، لهذا قررت أن تترك مملكتها المتداعية.. هشيم الجلد المنحرف بأهواء زوجها وعبثه عن جادة الحق، يا إلهي كم تغير سالم.. الزوج العطوف الودود..

الرجل الفاضل الذي كان يذكرها ويبصرها كلما غفلت أو أخطأت، أجل.. تبدل سالم كليا منذ أن تعرف على هاني ورفاقه.. عصبة ضالة.. وشرذمة منحرفة تلطخت مبادئه بقناعاتهم الهدامة.. تنهدت تفيق من ذكرياتها، وهي تعد حقيبتها هامسة:

ـ إنا لله وإنا إليه راجعون..

ثم هتفت تنظر إلى ساعتها بقلق:

ـ ولكن لماذا تأخر أخي راشد.. لقد وعد أن يأتي ويصحبني إلى بيت أبي.

فجأة سمعت حراكا بالجوار.. التفتت فإذا بسالم يقف إلى جانب الباب في حالة مزرية، كان واهنا وحزينا.. وقطرات من العرق تبلل جبينه المتعب، كان يبدو مسالما على غير عادته، ومع ذلك إنتفضت حين أشار إلى حقيبتها متسائلا.

ـ ما هذا.. ماذا تفعلين..؟

قالت بإرتباك وفزع:

ـ إني راحلة.. سأذهب إلى منزل أبي..

توقعت منه أن يثور ويغضب.. أن ينهال عليها باللكمات والكلمات النابية كعهده مؤخرا، ولكنه بدلا من ذلك هز رأسه بأسى وإنسحب إلى حجرته يبحث عن عزلة موائمة، تعجبت هي لصمته.. لسكوته عن رحيلها، فتتبعته لتقف على حقيقة الأمر، فراعها مشهده، حيث كان يجلس على حافة السرير ويبكي بمرارة.. يبكي وكأن المصائب قد حطت على رأسه دفعة واحدة، آلمها مرآه، فإقتربت منه بتردد.. ثم سألته أخيرا:

ـ سالم.. لماذا تبكي يا سالم.. ماذا حدث.. وأين كنت؟

قال بصوت يخنقه البكاء:

ـ آه.. لو تعلمين ماذا حدث.. وأين كنت، لقد كنت في المسجد.. في بيت الله..

تراجعت خطوة للوراء بذهول:

ـ ماذا!.. في المسجد؟.. لا أصدق.. كيف حدث هذا؟

أردف محاولا أن بشرح لها الأمر بإختصار:

ـ لقد تعرض صديقي هاني اليوم لحادث مروع على الطريق قضى نحبه فيه، وكان قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة بين يدي يبكي وهو يقول لي: لا أدري كيف سأقابل الله يا سالم، وماذا سأقول له سبحانه إن سألني عن معاصيي وذنوبي.

لم أدر إلا والأرض تميد بي.. والنهار أصبح ظلاما في عيني، فسرت هائما على وجهي في الطرقات وأنا شبه مصدوم فقط أفكر بكلام هاني وأبكي، حتى هدتني خطاي إلى أحد المساجد حيث صليت والتقيت بشيخ فاضل.. آلمه بكائي، فسألني عن سر حزني -وألح علي- حتى أخبرته بكل شيء، ولم يدعني الشيخ الكريم أمضي حتى حدثني بحديث عذب زلزل كياني وأشاع السكينة في قلبي بل وأزال الغشاوة عن عيني، لقد كنت ضالا وعاصيا.. وأرجو أن يغفر الله لي.

ثم التفت إليها برجاء:

ـ وأنت أيضا يا عزيزتي.. أرجوك أن تسامحيني وتبقي معي.. فأنا بأمس الحاجة إلى وجودك بجانبي الآن..

قالت له بمودة تخفف عنه:

ـ لا تقلق يا حبيبي لن أتخلى عنك أبدا.. طالما أنك عدت إلى رشدك..

سعادة خفية كانت تتسرب إلى أعماقها، فتمتمت بتضرع: الحمد لله.. الحمد لله...

الكاتب: سحر الناجي.

المصدر: موقع رسالة المرأة.